أستبعد اليوم «السياسة»، لأتحدث عن أحد مؤلفات إنسان متميز في فكره، وسلوكه، وعمله وعلاقاته. وهو أحد رجالات هذه الدولة، وأحد مفكريها غير التقليديين. إنه معالي الأستاذ إياد بن أمين مدني، وأما الكتاب فهو آخر انتاج معاليه، وهو بعنوان: «في بلاط صاحبة الجلالة»، الذي أسعدني بإهدائه نسخة منه مؤخراً. وإياد مدنى لم يكن وزيراً لوزارتين، وأميناً عاماً لمنظمة التعاون الإسلامي، التي تضم أكثر من ربع دول العالم، بل كان أصلاً صحفياً لامعاً... عمل في الصحافة كإداري، وكاتب. وأعتقد أنه مفكر عربي عصري، برؤى تستحق أن يحتفى بها.
وكثيرة هي الكتب التي تستحق الكتابة عنها، وعن مؤلفيها. وسأفعل ذلك، من حين لآخر، مبتدئاً بكتاب «في بلاط صاحبة الجلالة»، الذي لفت نظري، كونه يتطرق لبعض قضايا ومسائل اليوم، رغم أن المقالات التي تضمنها كتبت قبل 3- 4 عقود. وأدرك أن «مراجعة الكتب» مكانها الدوريات العلمية. لذلك، فإن ما أذكره هنا ليس مراجعة علمية، وإنما هو عبارة عن قراءة انطباعية صحفية موجزة عن الكتاب، وكاتبه.
وقد سبقني صديقي وزميلي البروفيسور صالح الخثلان، عضو مجلس الشورى سابقاً، وأستاذ العلوم السياسية، في الكتابة بهذه الصحيفة، عن هذا المؤلف للأستاذ إياد مدني، (عكاظ: العدد 19751، 13/ 3/ 1442هـ، 30/ 10/ 2020م، ص 9). وسبقنا في الكتابة عنه صديقنا الكبير معالي الدكتور سهيل حسن قاضي، في زاويته الصحفية الشهيرة في صحيفة «المدينة». كما اطلعت مؤخراً على مقال عن الكتاب بقلم ميرزا الخويلدي، نشر بصحيفة «الشرق الأوسط»، وما كتبه الأستاذان علي الرباعي، وطالب بن محفوظ عن الكتاب بهذه الصحيفة.
****
ومعروف أن آل مدني هي واحدة من أكبر وأعرق الأسر الكريمة في بلادنا. وهذه الأسرة المدينية العريقة هي أصلاً بيت علم وفضل. وأنجبت عدداً من العلماء والأدباء والمؤرخين، وكبار المسؤولين. وقد تشرفت بمعرفة عدد من أبرزهم، وفى مقدمتهم معالي الأستاذ الدكتور غازي عبيد مدني، يرحمه الله، عميد كليتنا ورئيس جامعتنا السابق. حيث عملت معه لسنوات، كمرؤوس محب لرئيسه. كما أتاح لي عملي المؤقت بمعهد الدراسات الدبلوماسية التابع لوزارة الخارجية، التعرف على معالي الدكتور نزار عبيد مدني، مساعد وزير الخارجية سابقاً، مؤلف كتاب «دبلوماسي من المدينة»، الذي ستكون لنا وقفة معه. أما ابن عمهما الأستاذ إياد أمين مدني، فقد التقيت به، لأول مرة، عام 1989م، فى حفل زواج صديقنا العزيز الأكاديمي والخبير الاقتصادي الشهير الدكتور عمر المرشدي. حيث جلسنا على طاولة واحدة، وتبادلنا الأحاديث. كان معاليه مديراً عاماً لمؤسسة عكاظ الصحفية آنئذ. وكنت «كويتباً» في عكاظ. رزقت قبل يومين من ذلك اللقاء بابن، أسميته بالصدفة «إياداً». وأخبرته بذلك، وأتذكر أنه قال لي: كان الله في عونه.
****
لم يكن كتابه «في بلاط صاحبة الجلالة»، الصادر عام 1441هـ، هو الأول، بل سبقته عدة مقالات، وكتاب «سن زرافة»، الذي كان عبارة عن مجموعة من القصص والحكايات النابعة من البيئة الحجازية السعودية. وقد تفضل بإهداء كتاب «سن زرافة» لكل أعضاء مجلس الشورى، قبل حوالي سبع سنوات، فحظيت بنسخة منه، باعتباري كنت عضواً في المجلس الموقر. وكتابه، موضوع حديثنا، يقع في 300 صفحة، ويحتوي على خمسة فصول، في كل فصل عدد من المقالات (القديمة- الجديدة).
ناقش زميلاي، معالي الدكتور سهيل قاضي، والأستاذ الدكتور صالح الخثلان، مضمون بعض المقالات الواردة في كتاب «في بلاط صاحبة الجلالة»، أو مسيرة الكاتب في أروقة «السلطة الرابعة»، التي صال وجال فيها، محرراً وكاتباً وإدارياً ووزيراً. ومن قراءتي لأغلب ما كتب، بما في ذلك كتابه هذا عن الصحافة، أفضل أن أوجز ما أظن أنه أبرز خصائص ومميزات هذا الكاتب الأريب، سيما وأن الحيز المتاح لا يسمح بالإسهاب. أجد أنه مفكر معتدل التوجه، عصري الرؤية، يسعى -كما يبدو- لتطوير الواقع الذي يهمه، لوضع أفضل، وبأساليب مبتكرة، تسهل تحقيق الأهداف. إنه من المدرسة الفكرية المتطلعة للتحديث، مع الحفاظ على الثوابت الاجتماعية الأهم. أو هكذا يبدو لي.
****
كتب في «مقدمة» هذا الكتاب تقديماً.. وضح فيه «الهدف» من إصداره، حيث قال: «أوراق هذا الكتاب ليس الغرض منها تأريخ أو توثيق العمل الصحفي في المملكة، في مرحلة من مراحله. فقد تسنح فرصة لذلك في وقت قادم. الوجهة هنا هي نشر ما أسهم به الكاتب، حول المواضع التي كانت محط اهتمام المجتمع في وقتها، وما أجراه الكاتب من مقابلات صحفية، ومحاولات طرح إجابات لأسئلة، لعل بعضها ما زال ماثلاً أمامنا».
وفى آخر الكتاب، هناك ثلاث صفحات تلخص نظرة إياد مدني للصحافة وللكتابة الصحفية، وتطلعه للكتابة، شريطة تهيئة بيئة حددها، بأنها «الجزيرة المسحورة» (أو الساحرة) التي يحلم بها. إذ قال: «كم يتمنى المرء أن لديه جزيرة مسحورة... يدفن جسده فيها، لا هم له إلا أن يقرأ ويكتب... لو ملكت مثل هذه الجزيرة، لقرأت كثيراً كثيراً... علي بعد ذلك أستطيع أن أكتب».
****
والآن، وقد تقاعد، يحق لمحبيه، والمعجبين بطروحاته، أن يطالبوه بالكتابة عن مسيرته العملية التي مشاها بعد المرحلة الصحفية.. أي مسيرته، الطويلة نسبياً، في أروقة «أصحاب الفخامة»: الحج، الثقافة والإعلام، منظمة التعاون الإسلامي. وليعتبر بيته تلك الجزيرة. المحبون على يقين بأن كتابة إياد مدني عن هذه الكيانات الهامة، ستكون كتابة غير تقليدية.. كتابة تنتقد (بلطف وظرف) نقاط النقص والقصور في هذه الكيانات، وتوضح، لمن يهمهم الأمر، ما ينبغي أن تكون عليه.. بما يقترب بها إلى درجة الكمال. ولاشك، أن هناك دائماً «مساحة» للإصلاح والتطوير في أي شيء، مهما كان متطوراً. وهذا المفكر الخبير سيدلنا -إن كتب- على الوصفة الأفضل التي تحقق هذا الهدف النبيل لهذه القطاعات الحيوية.
كاتب سعودي
sfadil50@hotmail.com
وكثيرة هي الكتب التي تستحق الكتابة عنها، وعن مؤلفيها. وسأفعل ذلك، من حين لآخر، مبتدئاً بكتاب «في بلاط صاحبة الجلالة»، الذي لفت نظري، كونه يتطرق لبعض قضايا ومسائل اليوم، رغم أن المقالات التي تضمنها كتبت قبل 3- 4 عقود. وأدرك أن «مراجعة الكتب» مكانها الدوريات العلمية. لذلك، فإن ما أذكره هنا ليس مراجعة علمية، وإنما هو عبارة عن قراءة انطباعية صحفية موجزة عن الكتاب، وكاتبه.
وقد سبقني صديقي وزميلي البروفيسور صالح الخثلان، عضو مجلس الشورى سابقاً، وأستاذ العلوم السياسية، في الكتابة بهذه الصحيفة، عن هذا المؤلف للأستاذ إياد مدني، (عكاظ: العدد 19751، 13/ 3/ 1442هـ، 30/ 10/ 2020م، ص 9). وسبقنا في الكتابة عنه صديقنا الكبير معالي الدكتور سهيل حسن قاضي، في زاويته الصحفية الشهيرة في صحيفة «المدينة». كما اطلعت مؤخراً على مقال عن الكتاب بقلم ميرزا الخويلدي، نشر بصحيفة «الشرق الأوسط»، وما كتبه الأستاذان علي الرباعي، وطالب بن محفوظ عن الكتاب بهذه الصحيفة.
****
ومعروف أن آل مدني هي واحدة من أكبر وأعرق الأسر الكريمة في بلادنا. وهذه الأسرة المدينية العريقة هي أصلاً بيت علم وفضل. وأنجبت عدداً من العلماء والأدباء والمؤرخين، وكبار المسؤولين. وقد تشرفت بمعرفة عدد من أبرزهم، وفى مقدمتهم معالي الأستاذ الدكتور غازي عبيد مدني، يرحمه الله، عميد كليتنا ورئيس جامعتنا السابق. حيث عملت معه لسنوات، كمرؤوس محب لرئيسه. كما أتاح لي عملي المؤقت بمعهد الدراسات الدبلوماسية التابع لوزارة الخارجية، التعرف على معالي الدكتور نزار عبيد مدني، مساعد وزير الخارجية سابقاً، مؤلف كتاب «دبلوماسي من المدينة»، الذي ستكون لنا وقفة معه. أما ابن عمهما الأستاذ إياد أمين مدني، فقد التقيت به، لأول مرة، عام 1989م، فى حفل زواج صديقنا العزيز الأكاديمي والخبير الاقتصادي الشهير الدكتور عمر المرشدي. حيث جلسنا على طاولة واحدة، وتبادلنا الأحاديث. كان معاليه مديراً عاماً لمؤسسة عكاظ الصحفية آنئذ. وكنت «كويتباً» في عكاظ. رزقت قبل يومين من ذلك اللقاء بابن، أسميته بالصدفة «إياداً». وأخبرته بذلك، وأتذكر أنه قال لي: كان الله في عونه.
****
لم يكن كتابه «في بلاط صاحبة الجلالة»، الصادر عام 1441هـ، هو الأول، بل سبقته عدة مقالات، وكتاب «سن زرافة»، الذي كان عبارة عن مجموعة من القصص والحكايات النابعة من البيئة الحجازية السعودية. وقد تفضل بإهداء كتاب «سن زرافة» لكل أعضاء مجلس الشورى، قبل حوالي سبع سنوات، فحظيت بنسخة منه، باعتباري كنت عضواً في المجلس الموقر. وكتابه، موضوع حديثنا، يقع في 300 صفحة، ويحتوي على خمسة فصول، في كل فصل عدد من المقالات (القديمة- الجديدة).
ناقش زميلاي، معالي الدكتور سهيل قاضي، والأستاذ الدكتور صالح الخثلان، مضمون بعض المقالات الواردة في كتاب «في بلاط صاحبة الجلالة»، أو مسيرة الكاتب في أروقة «السلطة الرابعة»، التي صال وجال فيها، محرراً وكاتباً وإدارياً ووزيراً. ومن قراءتي لأغلب ما كتب، بما في ذلك كتابه هذا عن الصحافة، أفضل أن أوجز ما أظن أنه أبرز خصائص ومميزات هذا الكاتب الأريب، سيما وأن الحيز المتاح لا يسمح بالإسهاب. أجد أنه مفكر معتدل التوجه، عصري الرؤية، يسعى -كما يبدو- لتطوير الواقع الذي يهمه، لوضع أفضل، وبأساليب مبتكرة، تسهل تحقيق الأهداف. إنه من المدرسة الفكرية المتطلعة للتحديث، مع الحفاظ على الثوابت الاجتماعية الأهم. أو هكذا يبدو لي.
****
كتب في «مقدمة» هذا الكتاب تقديماً.. وضح فيه «الهدف» من إصداره، حيث قال: «أوراق هذا الكتاب ليس الغرض منها تأريخ أو توثيق العمل الصحفي في المملكة، في مرحلة من مراحله. فقد تسنح فرصة لذلك في وقت قادم. الوجهة هنا هي نشر ما أسهم به الكاتب، حول المواضع التي كانت محط اهتمام المجتمع في وقتها، وما أجراه الكاتب من مقابلات صحفية، ومحاولات طرح إجابات لأسئلة، لعل بعضها ما زال ماثلاً أمامنا».
وفى آخر الكتاب، هناك ثلاث صفحات تلخص نظرة إياد مدني للصحافة وللكتابة الصحفية، وتطلعه للكتابة، شريطة تهيئة بيئة حددها، بأنها «الجزيرة المسحورة» (أو الساحرة) التي يحلم بها. إذ قال: «كم يتمنى المرء أن لديه جزيرة مسحورة... يدفن جسده فيها، لا هم له إلا أن يقرأ ويكتب... لو ملكت مثل هذه الجزيرة، لقرأت كثيراً كثيراً... علي بعد ذلك أستطيع أن أكتب».
****
والآن، وقد تقاعد، يحق لمحبيه، والمعجبين بطروحاته، أن يطالبوه بالكتابة عن مسيرته العملية التي مشاها بعد المرحلة الصحفية.. أي مسيرته، الطويلة نسبياً، في أروقة «أصحاب الفخامة»: الحج، الثقافة والإعلام، منظمة التعاون الإسلامي. وليعتبر بيته تلك الجزيرة. المحبون على يقين بأن كتابة إياد مدني عن هذه الكيانات الهامة، ستكون كتابة غير تقليدية.. كتابة تنتقد (بلطف وظرف) نقاط النقص والقصور في هذه الكيانات، وتوضح، لمن يهمهم الأمر، ما ينبغي أن تكون عليه.. بما يقترب بها إلى درجة الكمال. ولاشك، أن هناك دائماً «مساحة» للإصلاح والتطوير في أي شيء، مهما كان متطوراً. وهذا المفكر الخبير سيدلنا -إن كتب- على الوصفة الأفضل التي تحقق هذا الهدف النبيل لهذه القطاعات الحيوية.
كاتب سعودي
sfadil50@hotmail.com